درست جوان روثساتز، أستاذة علم النفس المساعدة في جامعة اوهايو، سلوك المراهقين والبالغين من ذوي القدرات الاستثنائية، في محاولة منها لفهم أسباب تفوقهم ونجاحهم. واستناداً إلى 14 عاماً من البحوث والدراسات، أجرت روثساتز مع ابنتها كيمبرلي ستيفنز، الصحافية والمتخصصة في علم الاجتماع، اختبارات على حالات عدة سبق أن اطلعتا عليها لأسر تظهر ارتباطاً محتملاً بين التوحد والعبقرية.
إن هذه الفكرة ليست جديدة، فقد أدرك بعض الباحثين في السابق، أن هناك علاقة بين التوحد وبعض أنواع المواهب الفذة بنسبة واحد من كل 10 مرضى، وعرف ذلك وقتها بـــ(متلازمة الموهوب أو العبقري- savant syndrome). إذ يعاني المصابون بـهذه المتلازمة من إعاقات عقلية محددة كالتوحد، إلى جانب موهبة لافتة أو نبوغ في مجال محدد. لكن العكس غير صحيح، فالأطفال الموهوبون غير مصابين بالتوحد. مع ذلك، اعتقدت روثساتز وستيفنز أن وجود صلة بين المصابين بالتوحد والقدرات الفذة أمر محتمل، نظراً لتمتع بعض الأفراد المصابين بهذا المرض بمواطن قوة في مجالات محددة، مثل القدرة إلى التعرف على النماذج والأنماط، والاهتمام بالتفاصيل.
وهناك لبس بين العبقرية أو الموهبة والتوحد، إذ يتجلى في النزعة القوية إلى المجالات الإبداعية بين الموهوبين، بينما يتمتع كل موهوب أو عبقري بقدرات عالية جداً في المجالات الإبداعية. كما يشيع الاهتمام بالمجالات نفسها بين المصابين بالتوحد أيضاً. وتتركز اهتمامات الموهوبين أو العباقرة في الحقول الفنية الأخرى، مثل: الموسيقى، والفن، والرياضيات، وهذا ينطبق أحياناً على المصابين بالتوحد. لكن هذه الاهتمامات تمارس بدرجة أقل، أو قد تتأثر سلباً بالحياة العائلية في بعض حالات التوحد. غير أن هذا التركيز الزائد على اهتمام محدد، هو لبس ملحوظ بين الموهبة الفذة والتوحد.
وبينما يتمتع الموهوبون بذاكرة نشطة استثنائية، فإن ذاكرة المصاب بالتوحد متطورة أيضاً. وهذا يرد باستمرار في البحوث الجامعية والتقارير واسعة الانتشار. بالإضافة إلى أن الموهوبين يولون اهتماماً لافتاً بالتفاصيل، وهي سمة وصفت بأنها “مشتركة بين أدمغة المصابين بالتوحد حول العالم”.
من ناحية أخرى، هناك دليل أولي على وجود رابط جيني بين الموهبة الفذة والتوحد. ففي دراسة أجريت عام 2015، تعرفت خلالها روثساتز وزملاء لها إلى منطقة في (كروموسوم 1) تشير إلى أن الموهوبين أو العباقرة والمصابين بالتوحد (لا يشمل ذلك أقاربهم غير الموهوبين، وغير المصابين بالتوحد) يعانون من طفرة جينية. وقد كانت دراسة صغيرة، اشتملت على 11 أسرة، ولم يحدد القائمون عليها طبيعة الطفرة الجينية، لكن النتيجة كانت مهمة من الناحية الإحصائية.
ويبدو أن لدى الأطفال الموهوبين العديد من مواطن القوة المصاحبة لمرض التوحد، لكنهم يواجهون القليل من التحديات. فيما يعتقد بعض الخبراء أن علينا دراسة التوحد على أنه اختلاف عصبي بدلاً من اعتباره خللاً. ومن هذا المنظور، علينا إعطاء الأولوية للتوعية بالتوحد، إلى جانب توفير سبل العناية والدعم. وقد يظن بعضهم أن هذا المرض ناتج عن خلل أو اضطراب، وأن على العلماء التركيز على تحديد العلاجات الفاعلة والناجعة. لكن الفهم الأفضل للصلة بين التوحد والموهبة قد يساعد العلماء والأطباء على فهم المسألة بصورة أفضل، وربما مساعدة المصابين بالتوحد.
إن بقاء الصلة بين التوحد والنبوغ غامضة لوقت طويل، يؤكد أهمية فهم التوحد استناداً إلى علم الأحياء، علماً أن المعمول به حالياً هو التشخيص المستند إلى الأعراض. وتبني مثل هذا الاتجاه سيجعل من الأسهل على المصابين بالتوحد وعائلاتهم اتخاذ قرارات أفضل بشأن العلاجات المتاحة.