مرت على الكويت سنوات بالغة القسوة، أصبح الناس يؤرخون بها أيامهم فيقولون «سنة الهدامة» أو «سنة الطاعون» أو «سنة الجدري». ورغم أن مرض الجدري انتشر في مناطق الخليج في أزمنة مختلفة، لكن السنة الأشهر لذلك الوباء كانت في صيف عام 1932 حيث تعرضت البلاد لموجة عارمة من ذلك الوباء وقيل إنها قدمت من إيران حيث اتخذ الجدري صورة الوباء في منتصف يوليو وظل حتى نهاية العام ولا توجد إحصائية للوفيات ولكن قدرت من ثلاثة إلى سبعة آلاف نفس أزهقت، ومعظم الضحايا من الأطفال، وقد يبدو هذا الرقم بسيطاً الآن، لكنه بمقاييس تلك الفترة، وتعداد سكان الكويت آنذاك والذي يقدر بخمسين ألف، يعد رقماً مخيفاً ومأساوياً لأنه يعني وفاة شخص من كل عشرة أشخاص. وذكر أطباء الإرسالية الأميركية في تقاريرهم هذه السنة أن الوباء اجتاح المدينة وعبر أسوارها وأصاب سكان البادية، وقالوا إن هذه السنة ستظل عالقة في ذاكرة الشعب الكويتي وقلبه، نظراً لأن المرض لم يترك أي بيت إلا ودخله.
ووما فاقم الأزمة أن الطب آنذاك لم يكن متقدماً، وألقيت المهمة كلها على الإرسالية الأميركية وحدها حيث كان يعمل فيها طبيب واحد يساعده بعض الممرضين، وبالطبع عجزوا عن مواجهة هذا الوباء الذي ظل يحصد أرواح الناس لمدة شهور. آنذاك طلبت الحكومة من مدير البلدية سليمان العدساني اتخاذ ما يراه مناسباً لإيقاف هذا الوباء، فقرر حينها ترحيل عدد كبير من الإيرانيين الذين جاءوا إلى البلاد ومنع دخول القادمين منهم واتخذ الكثير من الاجراءات الوقائية التي قطعت دابر هذا الوباء.
ونظرا لحالة القلق التي عمت البلاد في ذلك الوقت أصدرت البلدية إعلانا عام 1932 قالت فيه: «بما أن مرض الجدري انتشر انتشارا هائلا وصار يفتك الفتك الذريع وكثرة ضحاياه ولا سبيل إلى مقاومته إلا بالتطعيم (التيتين) فإننا نحث العموم عليه حرصا على حياة أطفالهم فمن الثابت أن المطعمين 95 بالمئة منهم لا يصابون بهذا المرض حسب تقرير الأطباء، وقد قررت البلدية أن تجلب دواء جديدا من البصرة وعينت المسافر خان محلا للطبيبة في آخر النهار ساعتين وفي أول النهار ساعتين ونصف للطبيب من الساعة 2 إلى الساعة 4 (والتيتين) أي نوع التطعيم مجانا».
ومن أشهر الذين تأثروا بهذا المرض الفنان عبد الله الفضالة الذي روى أنه فقد بصره بسبب «الجدري»، وإن كان ذلك على الأرجح قبل سنة انتشار الوباء. كذلك من أوائل الكويتيين الذين تخصصوا في علاجه الشيخ مساعد بن عبدالله البريكي العازمي الذي ولد في بادية الكويت عام 1845م ودرس في الأزهر الشريف، وتعلم التطعيم من المرض على يد أحد الأطباء بوصفها «مهنة» يسهل تعلمها وتكون مصدراً للزرق، خصوصاً مع انتشار هذا المرض آنذاك. وبالفعل سافر الشيخ إلى الهند لشراء العقاقير والمواد اللازمة للتلقيح. وفي الختام، تجدر الإشارة إلى المسلسل الكويتي «منيرة» والذي دار في قالب رومانسي تاريخي تطرق إلى بعض الأحداث والسنوات الصعبة في تاريخ الكويت منها «سنة الجدري» و»سنة الهدامة».
النهار