في منطقة شرق، وتحديدا في تلك المساحة التي كانت تعرف بحديقة الحزام الأخضر.. تبدو الكويت على موعد مع بزوغ صرح حضاري يحمل عنوان حديقة الشهيد بحلول نهاية هذا العام. العمل يمضي على قدم وساق، والديوان الأميري الجهة المشرفة على هذا المشروع، يتميز بالالتزام بموعد الانتهاء من المشروع في الموعد الذي اعلنه، وسيتحول موقع العمل الى مقر دائم لرفع العلم في الاحتفالات الرسمية، والأهم فإن مجموعة شباب وشابات الكويت سيتسلمون تحت ادارة «لوياك» ادارة هذا الصرح المميز الفريد من نوعه.
فكرة كساء النباتات الخضراء مباني الحديقة وتحولها الى تلال خضراء تبدو كالحدائق المعلقة تطبقها مهندسة المشروع من قبل الديوان هيفاء المهنا، بعدما رأت بعض مباني ألمانيا تحيط بها النباتات المتسلقة، حادثت رؤساءها في العمل فلم تجد منهم الا كل تشجيع وتذليل للمعوقات.. زراعة الأسطح ايضا كانت وسيلة، حافظ الديوان الأميري على وعده للمجلس البلدي بأن يجعل انشاءاته في حديقة الشهيد طفرة في مجال التوعية والتعليم، بما لا يتنافى مع بقاء %90 من المسطحات خضراء.. فكرة جديرة بالاحترام أن تبني وتعمر وتعلم، وفي الوقت نفسه ترسل الى جيرانك دفقات من الأكسجين عبر نسيج نباتي! ..
القبس انطلقت الى ارض الموقع بشرق، ومن خلال ممر سيارات النقل المواجه لمبنى التجارية الضخم، دلفنا على اليمين مساحة خضراء تسمع زقزقة العصافير بوضوح فوق اشجارها العتيقة والمزروعة حديثا.. النباتات الفطرية تنتشر في تلال طبيعية وأخرى صناعية تمثل مفاجأة للزوار، فتحتها مبان مجهزة بأحدث أجهزة الصوتيات والمرئيات.
تنقسم الحديقة التي تبلغ مساحتها نحو 220 ألف متر مربع %90 منها خضراء إلى عدة مبان وبحيرات وممرات واستراحات.. هنا مبنى متحف الشهيد لا يقتصر على توثيق الغزو فقط، بل يمتد الى كل الحروب التي خاضتها الكويت منذ القدم، بل سيشكل مادة علمية فنية ثرية، تحكي حروباً خاضتها الكويت، مثل: معارك الرقة البحرية والرقعي والجهراء ومعركة الصريف و… وهناك مبنى للضيوف ومبنى علمي به قاعات عرض ومبنى الدستور (تم انجازه وتشغيله بالفعل قبل اسابيع) اضافة الى مبنى إداري ومواقف تحت الأرض تتسع لــ 900 سيارة.
متحف النباتات البرية والطيور النادرة الكويتية من أروع المتاحف التي سيقع نظر الزائرين عليها، أضف الى ذلك المحال الخدمية التي تساعد الزوار على الاستمتاع بالمكان من مقاهٍ ومطاعم راقية ومحال الهدايا التذكارية.
ونعرف من دليلنا المهندسة هيفاء أن الفريق الهندسي اكتشف اثناء العمل وجود نفق (لعله من ايام اتفاقية الحماية البريطانية) في حديقة الشهيد يطل في نهايته على بوابة الشعب، فاقترح الديوان الأميري على المجلس البلدي أن يتم استغلال هذا النفق وضمه الى التجديدات التي يقوم بها في الحديقة.. ولنتذكر هنا ان معظم البوابات القديمة بالكويت يصعب على الزوار الوصول اليها والتأمل فيها كتراث تاريخي، الا هذه البوابة بفضل هذا النفق وهذا التخطيط الحضاري.
لم يبتعد عن خيال المصممين الوطنيين، فصمموا مسرحا مفتوحا مزودا بالنوافير والبحيرات من حوله.. عندما توجهنا نحوه وجدنا المدرج قد اكتمل، تشير المهنا الى مكان السجاد الأخضر الطبيعي الذي سيحيط بالمدرج قائلة: حتى هنا حرصنا على توزيع الكساء النباتي، فيجلس المشاهدون وحولهم اللون الأخضر يشاهدون البرامج الفنية المتنوعة من مسرحيات أو فرق فنية موسيقية وغيرها.
ونعرف أن التحديات امام هذا العمل تمثلت في الخدمات التي كانت بالحديقة من كهرباء وصرف صحي وغيرها، وان التعاون مع هذه الجهات هو الذي ذللها، وعلى سبيل المثال لا الحصر، كانت وزارة الكهرباء قد قامت بتمديد خطوط بداخل الحديقة، فطلب منها فريق المهندسين زحزحتها الى جانب السور لاستكمال العمل، وتم بالفعل. ايضا سحب المياه الجوفية استغرق وقتا وجهدا قبل وضع اساسات المباني.
وتشتمل الحديقة على 3 ممرات: ممر اميري ولكبار ضيوف الكويت، وممر للمشاة وهواة التريض، وممر آخر للزوار الذين لا يريدون سوى التجوّل من مبنى لآخر، تحيط بتلك الممرات المرصوفة من الرخام الفاخر المشكل بالرمادي والأبيض والرصاصي نباتات من كل مكان.
6 نوافير تقام على مواقف السيارات التي تتسع تحت الأرض لــ 900 سيارة موزعة على طابقين، ننظر وننبهر من الشلالات التي تم تجهيز مكانها لتسقط بجانب السيارات الواقفة محجوبة فقط بالواح زجاجية.. بعد التجول في ارض موقع الحديقة نحو نصف ساعة في ظهيرة رمضان نكتشف ان اهم من الزراعة نفسها التجهيز لها واعداد شبكات الري والمستلزمات الخاصة بالصيانة المستقبلية. واثناء تأمل الحركة العمرانية فوق الأرض وتحتها لاحظنا ان شبكات الري قد تم الانتهاء منها بالفعل، فأطراف الأنابيب البلاستيكية تبرز من كل مكان في انتظار استكمال الزراعة، وعندما سألنا لماذا لم تزرع باقي المسطحات؟ قيل لنا: ان الوقت غير مناسب الآن، ولا بد من الانتظار لشهر سبتمبر لنقل النباتات الجديدة الى التربة المكشوفة للشمس.
لم يهمل المصممون حاجة الزوار الى مكان لأداء الصلوات، فبنوا هذا المسجد الجديد على طراز غير تقليدي، فالمنارة منفصلة والسطح مائل، لتخفيف درجات الحرارة وعكس أشعة الشمس، وجدنا العمل قد قارب على الانتهاء والمئذنة في مرحلة التشطيب وعرفنا ان شلالات مياه ستكون بجانب المسجد لتعطي هذا الشعور بالاسترخاء والتأمل.
في ركن من الحديقة نجد أكواما من الفلين الضخم على هيئة متوازي مستطيلات، استعدادا لبناء التلال الخضراء وكسوة المباني بالخضرة، كما نعرف من المهندسة هيفاء ان ثمة بحيرتين رئيسيتين، احداهما مالحة لتستقطب النباتات البحرية. فور الخروج من حيز الحديقة نلتفت الى السور الذي يبلغ نحو 3 كيلو مترات تقريبا، وقد تم تجديده بالكامل من الحديد المشغول وبقي طلاؤه فقط، وبالتزامن مع الطلاء سيتم تطوير المساحة الخارجة عن السور، كذلك.
مشروع تطوير حديقة الشهيد ليس مشروعا عاديا، بل يمكن القول إنه مشروع تعليمي ثقافي ترفيهي رائد، العمل تحت الأرض أكثر منه فوق الأرض، المباني التي انجزت بالفعل تتم حاليا كسوتها بالنباتات، فلا يظهر منها سوى بواباتها، هل نذكر الأكواريوم في المركز العلمي، وهل نذكر شاشات العرض التفاعلية؟ والهندسة الرائدة بداخله، حيث توزيع الإضاءة على الأقفاص الزجاجية، التي تضم حشراتٍ او زواحفَ أو طيوراً؟ سيبدو الأمر مثل «أكواريوم» شاسع المساحة هناك. فالجدران في المتاحف تفاعلية يكفي ان يلمسها الزائر ليتعرف على معلومة جديدة.
مدة المشروع 12 شهراً والمفترض على نهاية هذا العام الحالي ( 2014 ) يتم افتتاح الحديقة رسميا. هكذا تبشرنا هيفاء المهنا، كما تؤكد أن ادارة وطنية هي التي ستتسلم الحديقة وجميع العاملين فيها سيكونون من المتطوعين من شباب الكويت، انهم في الأغلب من شباب «لوياك»، الذين يخدمون المجتمع بوطنية محمودة مع بقية جمعيات النفع العام.
من الابتكارات التي تحسب لمهندسي الديوان الأميري ان سقف متحف البيئة مصنوع من الزجاج، وعليه نافورة ورسمة واضحة لخريطة الكويت.
شبك الطيور بالحديقة مساحته 1500 متر مربع داخله تجمع اغلب الطيور كمحمية، لأن هناك نحو 400 نوع يمر على الكويت كل عام، ومن حق أهل الكويت والدارسين خاصة الاستمتاع بالتعرف على هذه الأنواع.