أماكن النقع في الكويت قديما

نقعة

النقع ومفردها نقعة هي عبارة عن حوض على ساحل البحر محاط بجدران من صخور البحر يستخدم لرسو السفن الشراعية لحمايتها من الرياح والأمواج وللقيام بأعمال الصيانة واصلاح ما قد يصيبها من تلف. وكانت هناك اعداد كبيرة من النقع داخل مدينة الكويت تقع على ساحل البحر الممتد من الشرق مقابل قصر دسمان الى الغرب بالقرب من المستشفى الأميركي، وتعود تلك النقع لأصحاب السفن والتجار. ويتراوح ارتفاع سور النقعة – الذي يسمى «قاف» ما بين متر ونصف بالقرب من الساحل الى أربعة أمتار أو أكثر داخل البحر، حسب عمق النقعة وبعد سورها الداخلي عن الساحل، ويبلغ عرض السور عند قاعدته حوالي سبعة امتار أو أكثر، يقل تدريجياً الى ان يصل الى حوالي متر ونصف أو مترين عند سطحه، ويساعد ذلك على تقوية السور وبقائه أطول فترة ممكنه لمقاومة الأمواج العاتيه التي تتكسر على جدرانه، وبذلك يحمي السفن الراسية في النقعة من آثارها.

وللنقعة عادة فتحتان، شرقية، وغربية، تسمى الواحدة منها (فاتق)، ويستخدم لدخول السفن الى النقعة والخروج منها، ويساعد وجود فتحتين متقابلتين أو أكثر في النقعة على تجدد مياهها وعدم تكون (الصيانة) وهي ترسبات طينية وعضوية تنتج عن ركود الماء وعدم تبدله مما يؤدي الى تجمع ا لأوساخ ووجود روائح نتنة. وتتسع بعض النقع لعدد كبير من السفن، وكان معظمها يأوي سفن الغير ايضاً دون مقابل، بينما يتقاسم اصحاب السفن التي ترسو في النقعة نفسها تكاليف صيانتها بدفع مبلغ معين من المال سنوياً مقابل كل سفينة، وذلك لتغطية مصاريف الصيانة واعادة بناء أسوارها في حالة تهدمها، أو اصابتها بالتلف نتيجة للأمواج العاتية والرياح الموسمية القوية التي تهب على الكويت خلال الفترة الممتدة من منتصف شهر مايو الى أواخر شهر يونيه، والتي تسمى «رياح البوارح».

وكانت بعض النقع تستقبل السفن القادمة من موانئ الخليج وبحر العرب تكون معظم سفن السفر متواجدة في الهند وأفريقيا. وعند عودة سفن السفر التجاري في شهر مايو تكون سفن الغوص قد استعدت لاستئناف عملها للموسم الجديد، وهكذا تستمر النقع طوال العام تقريباً في إيواء السفن المتوقفة عن العمل لحفظها من الأمواج. وتعتبر النقع ايضاً مراكز لأعمال صيانة السفن، حيث كان القلاليف يقومون باصلاح السفن الشراعية وتنظيفها فيها واستبدال بعض قطعها التالفة استعداداً لموسم العمل، كما كانت السفن الشراعية الجديدة تصنع بالقرب من شواطئ النقع لتسهيل عملية ادخالها الى البحر عند اكتمالها. وكان النشاط شبه دائم في تلك النقع التي كانت تعج بأعمال الاصلاح والصيانة لسفن السفر الكبيرة «الأبوام» وسفن «القطاعة» متوسطة الحجم، بالاضافة الى استقبال بعضها لأبوام الماء القادمة من شط العرب أو تلك التي تحمل الصخور التي يتم تكسيرها ونقلها من سواحل الكويت في منطقة عشيرج لاستخدامها في البناء.

وقد احتلت عملية نقل المياه من شط العرب الى الكويت بالأبوام، وكذا نقل الصخور من سواحل منطقة عشيرج الى المدينة، حيزاً كبيراً من النشاط التجاري في الكويت لعشرات السنين، حيث لم تكن مياه الشرب متوافرة محلياً بصورة كافية لتلبية حاجة المواطنين، بينما مثلت صخور البحر جزءاً رئيسياً من مواد البناء للمنازل وغيرها من الأبنية. ومن الأنشطة التي كانت تشهدها النقع ايضاً توديع واستقبال رجال الغوص في بداية الموسم وعند نهايته، حيث يقف اقارب البحارة على سواحل النقع إما مودعين أو مستقبلين الرجال الذين كانوا يبحثون عن لقمة العيش من وراء دخولهم البحر ومواجهة اهواله. ومن المناظر المألوفة في النقع أيضاً وجود عدد من الحداقة الذين كانوا يصطادون الأسماك «بالميادير» وهم جلوس فوق «القاف» بينما يستخدم البعض الآخر من الصيادين الشباب لاغلاق فتحة النقعة «الفاتق» أثناء فترة جزر الماء لحجز الأسماك داخل النقعة لصيدها. كما كانت أطراف النقع ناحية البر تعج بالأخشاب كبيرة الحجم المسماة «بالصوارة» و«البيص»، التي تستخدم لبناء قواعد السفن وجسور المباني الكبيرة.

فقد كان من الصعب نقلها الى عماير التجار نظراً لكبر حجمها وثقل وزنها مما ك ان يضطرهم لتركها على حافة النقع انتظاراً لبيعها. وكان «الشرَّاحون» يتخذون حافة النقع مكاناً لشرح – أو تقطيع – تلك الأخشاب طوليا تمهيدا لاستخدامها في صناعة السفن والأبواب والشبابيك أو ما شابه ذلك، وتضم عدد من النقع عماير مشيدة على البحر مباشرة تقوم بتزويد السفن بما تحتاج اليه من مواد لاخذها معها في سفرها الطويل. وهكذا كانت النقع تشكل مركزا تجاريا وحرفيا مهما اعتمد عليه الكويتيون لانجاز أعمالهم وأنشطتهم التجارية والحرفية، ومتنفسا يحصلون من خلاله على كثير من احتياجاتهم المعيشية. وتعتبر نقعة الخميس والشملان والعسعوسي والنصف من أكبر نقع منطقة الشرق التي ترسو في السفن التجارية الكبيرة، خاصة وان هذه النقع متصلة مع بعضها ولا تفصلها أي جدران. وترسو في هذه النقع سفن عدد من التجار الآخرين الذين يحتفظون بعماير في تلك المنطقة. أما في منطقة القبلة فتعتبر نقع الغنيم والمرزوق وفلاح الخرافي والبدر والصقر والعبدالجليل والعثمان وأحمد الخرافي من أكبر النقع هناك. وهناك عدد كبير من النقع الصغيرة التي تسع عدداً قليلاً من السفن التابعة لصغار التجار والتي لا يتجاوز عدد سفنهم الثلاث أو الأربع سفن.

كما ان بعض النقع قد لا تكون محاطة بأسوار من كل جانب حيث يقوم البعض ببناء حام صخري ناحية البحر لكسر الأمواج، والاستفادة من أسوار النقع الكبيرة المجاورة لنقعته. ويقدر عدد النقع الواقعة على ساحل مدينة الكويت بما يقارب أربعين نقعة تنتشر من أقصى الشرق الى أقصى الغرب (القبلة)، وتتميز بعض النقع باتساعها وقدرتها على ايواء اعداد كبيرة من السفن، وقد تم في فترات لاحقة دمج عدد من النقع المتجاورة مع بعضها بعضاً لخدمة اصحابها مجتمعين مما أدى الى تسمية هذه النقع بأسماء أشهر المشاركين فيها، كما باع بعض التجار على مدى السنين الماضية نقعهم على تجار آخرين بعد تركهم العمل بالبحر، مما أدى الى ازالة نقعهم أو توسعتها أو دمجها بنقع أخرى، فتسبب ذلك في اختفاء أسماء بعض النقع القديمة واندثار أثرها، وقد ضم الساحل مراسي صغيرة لعدد من التجار كانت غير محاطة بأسوار لكنه كان يشار اليها بالنقع نظراً لايوائها عددا من السفن.

النهار